للدكتورد.فتحي عبدالله باحور- أستاذ الجغرافيا السياسية كلية الآداب الجميل جامعة صبراتة - ليبيا fbahor20@gmail.com
إن تأثير العنصر الجغرافي أو التاريخي أو الديموغرافي أو الثقافي يعد من المعطيات المؤثرة في معادلة القوة، وتتأثر هذه العناصر في مجموعها يشكل كبير بكل من الذهنية الإستراتيجية والإرادة السياسية، بمعنى أن الدولة التي لا تمتلك ذهنية إستراتيجية واضحة وتخطيطاً استراتيجياً وإرادة سياسية قوية ومنسجمة، لايمكنها أن تشكل القوة المطلوبة لقيامها، مهما حققت من تفوق بالنسبة لعناصرها الثابتة والمتغيرة .
، وأوضح مثال على ذلك الهزيمة التي لحقت بالدولة الليبية في حربها مع تشاد، والتي نتجت عن ضعف في التخطيط الاستراتيجي، وقصور في التقييم للوضع الجيوسياسي الاقليمي والدولي في ذلك الوقت، وانعكس سلباً على معادلة قوة الدولة في مرحلة لاحقة،
حيث تسبب في ضعف بالتراكم العسكري للدولة والذي يعتبر من العناصر المتغيرة كبيرة التأثير، ومن الامثلة الآخرى على قدرة التخطيط الاستراتيجي في التأثير على معادلة القوة هو الاختلاف بين قوة ألمانيا في عهد جمهورية فايمر، وما أصبحت عليه في عهد هتلر، على الرغم من أمتلاكهما نفس العناصر الثابية والمتغيرة.
وبذلك يمكن القول أن الدولة يمكن أن تمتلك قوة تفوق قواها الكامنة عن طريق امتلاكها لتخطيط استراتيجي منظم وإرادة سياسية قوية، إلى جانب امتلاكها لعناصر ثابتة ومتغيرة،
ونستنتج من كل ذلك أن العنصر البشري هو أساس القوة الإستراتيجية لأي بلد، حيث لا يمكن تغيير العناصر الإستراتيجية الثابتة كالجغرافيا والتاريخ، ولكن يمكن للعنصر البشري الجيد أن يكسب الجغرافيا والتاريخ آفاقاً جديدة، في حين أن العنصر البشري غير الجيد يمكن أن يحوَل هذه العناصر إلى عوامل إضعاف للبلاد كما هو حاصل في ليبيا اليوم، حيث تمر البلاد في مرحلة مابعد الثورة بوضع فوضوي في ظل غياب معايير قادرة على اختيار عناصر بشرية مؤهلة لها آفق منفتح على جميع العناصر الديناميكية لبناء الدولة بشكل صحيح، ويحقق التناسق بين عناصر القوة المختلفة، كما أنه حتى لو وجد العنصر البشري المؤهل، لابد من اكتسابه المشروعية (الشرعية) المجتمعية الوطنية قبل الشرعية الدولية، بحيث يتم بناء علاقة فعلية ومشروعة بشكل كامل بين العنصر البشري وإرادته السياسية وبين الخيارات الاستراتيجية للنظام السياسي.
إن أكثر العناصر حساسية في بناء الدولة هي العلاقة المشروعة بين الإرادة السياسية لمركز النظام وبين العنصر البشري المؤهل للمجتمع المدني، حيث يمكن وصف هذه العلاقة بأنها نقطة الالتقاء بين (عمق الدولة) و(عمق الأمة).
إن الدولة التي لم تصل إلى عمق الأمة، ولم تحقق معها وحدة روحية نابعة عن منظومة من القيم المشتركة، لن ينتج عنها إلا صورة سيئة للقوة ( دولة دكتاتورية)، وهو ما عاشته ليبيا منذ الاستقلال، حيث لم يتحقق هذا الالتقاء، والسؤال هنا هل نحن قادرون على تحقيق هذا الالتقاء بين عمق الدولة وعمق الامة؟ وهل هناك فهم وادراك لاهمية هذا الالتقاء لبناء دولة حقيقة؟